والله.. والله.. خمس دقائق فقط
فصلتني عن الايدز
والله.. والله.. خمس دقائق فقط فصلتني عن الايدز!!
هذه العبارة كانت ذات وقعٍ وصدىً على أذنيّ.. رغم أنّي قرأتها قراءة.. ولم اسمعها من لسان أحد.. فقط.. لأني ذهبت بأفكاري بعيداً بعد أن قرأتها.. تخيّلت ذلك الإنسان الذي كتبها.. خلت نفسي وكانّي اسمعها منه مباشرة رغم أنّي لا اعرفه.. دعوني أقص عليكم أولا سر هذه العبارة.. وبعدها نرى ما قد يخرج معنا من عَبرات نسأل الله عز وجل أن يكون فيها الأثر الطيب..
وإليكم الحكاية..
ويأتي يوم آخر ؛ حاملاً بعض أوقات الفراغ بين موجات العمل المتلاحقة.. لأجلس في مكتبي وأبحث في الانترنت عن مواضيعِ تُجاري ميولي وهواياتي.. وإذا بي اقرأ عنوانا يقودني إلى ما ابحث عنه.. وكان العنوان كما يلي (ليس لأفضح نفسي.. بل للعبرة).. استوقفني ذلك العنوان.. وشعرت أن فيه الفائدة.. وبدأت اقرأ ما كان مكتوبا..ً وخلاصته:
أن سعيداً كان شابّاً كغيره من الشباب، طموحاً وعجولاً! تخرج من الجامعة ليحمل شهادة في مجال الإدارة.. وباشر عمله في إحدى المؤسسات الكبيرة.. طموحه كان يدفعه أحياناً إلى التقرّب من المديرين والمسئولين في المؤسسة ولو على حساب زملائه ! آملاً في الارتقاء... وبالفعل نجح سعيد في ذلك وارتقى خلال فترة قصيرة ... وأصبح احد مديري تلك المؤسسة... إلا أن طموحه لم ينته بعد... وكان من شأن ذلك أن ابتعد سعيد عن المسار الذي نشأ عليه... حتى يتمكن من نيل رضا المدير الأول المسئول ومالك تلك المؤسسة... ويحقق سعيد أهدافه للمرة الثانية.. ويصبح بمثابة الرجل الثاني في تلك المؤسسة.. ولم يكن قد مر على تعينه فيها أكثر من ثمان سنوات...
وهنا أتوقف قليلا ... فسنوات الطموح ... والتنافس غير البريء .. التي عاشها سعيد جعلت منه إنساناً خالياً من المبادئ والمثل... أو على الأقل.. جعلته يفتقر إلى الكثير منها... وهذا بلا شك سيقود إلى خلق روحٍ ونفسٍ مستعدةٍ لتقبّل الانحراف والانجراف بلا هوادة ولا تردد...
ونتابع....
امتطى سعيد صهوة الجواد ... ولكن في الاتجاه المعاكس، بدأ نجاح سعيد والذي كان بالأصل مبنياً على أسس خاطئة .. بدأ يرسم على شخصيته خطوط التكبر والثقة الزائدة والغرور... فترك في مخيلته انه قادر على فعل أي شيء بما في ذلك السهر والنساء ، وأنه قد بات ملك الزمان...
الحاجة أم سعيد بدورها... كانت فخورة بما وصل إليه ولدها.. دون أن تعلم كيف وصل إليه! المهم أنها بدأت تسعى لتزويجه...وبالفعل.. يتزوج سعيد .. وفي بداية أيام زواجه.. حاول سعيد أن ينتبه لنفسه وان يستقيم من جديد... سيما وان زوجته فيروز كانت من أصحاب المثل والمبادئ.. واستمر سعيد على حال الالتزام شهوراً وكانت زوجته قد بدأت بشراء ملابس المولود المنتظر...واستمر سعيد في محاولات الحفاظ على نهجه السليم حتى جاءت تلك اللحظة التي لم يستطع أن يتمالك فيها نفسه عندما وقعت عيناه على فتاه ذات حسن وجمال جاءت في مقابلة للتعيين في تلك المؤسّسة... أعادت تلك المرأة سعيداً إلى حياة الضياع من جديد... بل وفتحت له أبواباً كانت مغلقه... ساقته تلك الفتاة إلى سهرات ماضية .. شقق قذرة .. نساء عري ..ومخدرات ..
لاحظت فيروز ذلك ... شهور وشهور ووضع سعيد يتدهور...لكنها ظلّت صابرة...وكانت دوماً تقف إلى جانبه وتحارب لأجل الحفاظ على سمعة زوجها وبيتها. عمر يكبر ووالده سعيد يصغر ويصغر في نظر من حوله.. حتى مدير المؤسسة يطلب من سعيد أن يترك العمل لديه... لم يتأثر سعيد كثيراً بهذا الأمر.. حيث كان قد جمع ثروة كبيرة بالنظر إلى عمره الذي لم يصل إلى الخامسة والثلاثين بعد...ويقرر سعيد العمل بمؤسسته الخاصّة... وبلا تردد تم توظيف مجموعة من الفتيات.. بعضهن للعمل الرسمي.. والبعض الآخر لغايات .. ( عندما يأتي المساء)..
وعلى هامش القصّة ؛ ما رأيكم بهذا المشهد؟.. عمر يقرأ سورة الفاتحة لامه وهو في الربيع الثالث... وسعيد يكرر مترنحاً (دخلك يا طير الوروار ... سلملي عالحبايب ..) وفيروز تحاول بكل حب وإخلاص أن تساعد زوجها... تحاوره..تدعوه إلى الحياة من جديد..وتصلي وتدعو له...
واقتربنا من العنوان الخطير..
(والله...خمس دقائق فقط تفصلني عن الايدز)..
إحدى زبائن مؤسسة سعيد تدخل مكتبه.. سعيد يقف رغم غروره .. وتكبّره... لمياء.. جمال.. أناقة... شياكة... عطور.. وضحكات.. لكنها كانت صعبة المراس (على حد قول سعيد ). ويبدأ العمل بين المؤسستين.. مؤسسة سعيد والمؤسسة التي تملكها لمياء.. صفقات عمل.. حفلات.. سهرات.. كل ذلك كان يتكرّر، إلا أنها كانت ترفض الانصياع لرغبات سعيد بسهولة.. وبعد أشهر وافقته على الحضور إلى شقته السريّة ... ويسبقها سعيد إلى هناك.. لتجهيز الشقة ... وقبل الموعد بربع ساعة يتصل سعيد... بها (حياتي... ربع ساعة تماماً وبكون عندك... لا تخاف... ها ها) أجابت لمياء..و سعيد... طاير من الفرح.. أخيراً... وللأسف...
مرّت الدّقائق طويلة جداً على سعيد... عشرات المرات ينظر من الشبّاك... والعين السريّة في بوابة الشقة... قطع مئات الأمتار داخل صالون الغرفة (جيئة وذهاباً ) وهو لا يطيق الانتظار.. يتصل بها .. استمرت الرنات والرنات ولا إجابة.. واتصال آخر.. وآخر.. ويجيب الهاتف.. صوت رجل...!! ( نعم .. حضرتك بتعرف صاحب هذا التليفون.. لأنها عملت حادث...) موقع الحادث كان يبعد ثلاثة كيلومترات عن شقة سعيد... ويذهب سعيد بحكم صداقة العمل.. ويساهم في إسعافها ونقلها إلى اقرب مستشفى... فحوصات طبية عاجلة... ومن ضمنها فحص دم .. وتأتي النتيجة المذهلة.. لمياء لديها فيروس الايدز...
(يا الله ...يا الله ... كنت على شفا حفرة ... كنت أقف على حافّة الهاوية.. ما أعظمك يا رب ) .. أيّام وليالٍ ... وسعيد شارد الذهن في البيت لا يبرحه ... يشكر الله تارةً ... ويتذكر حياته تارةً أخرى ... يقلّب صفحات العمر المنصرم... منذ يوم نجاحه في الثانويّة العامّة.. وشايات أم سعيد وحبات الكعك.. قبل الامتحانات... دعاء تلو دعاء من في أم سعيد تتخللها دموع الرّجاء والحب والحنين... صحون الملوخية والبامية كانت تصل إلى غرفته أثناء الدّراسة... وشوربة العدس حاضرة عند الطلب يا أبا السّيد.. ثم يتذكر السهرات والجنون ، والرقص ...يتذكر لحظات عندما كان يقارن بين الجلسة مع فيروز ... المرأة الرائعة.. التي صبرت عليه وتحملته ... ولم تبلغ أحداً سوى أم سعيد بكل ما كان يدور .. وسهراته مع فتيات الليل ... واراجيل الحشيش .. وقرع الكؤوس ...ويقارن بين صينيّة الحلوى من يد فيروز.. وصينيّة المنكر والمازات منهن.. وفجأة يسكت سعيد... الساعة الثامنة ليلاً ... مساء الخميس ... وعمر يقرأ ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ *) ... صوت عمر اخترق بوابة غرفة النوم التي كان يجلس بها سعيد قادماً من الصالون واخترق فؤاده ووجدانه.. قشعريرة تصيب بدنه..وبدأ يردد.. الم نشرح لك صدرك ... بلى يا رب.. اشرح لي صدري يا الله ... إن مع العسر يسرا.. يا الله أزل العسر يا الله... والى ربك فارغب ... نعم .. إليك يا ربِّ ارغب..
يركض سعيد خارجاً من غرفته... ولأول مره يحتضن عمر ... وينهال عليه بالقبلات ... ويقبل يد فيروز .. (يا أحلى وأغلى زوجه .. الله يستر عليكي زي ما سترتي علي )... ويعتذر لها عن كل ما مضى وكان.. ويأخذ عمر وفيروز ويذهب إلى بيت أمه.. يقبّل يداها وقدميها ... سامحيني يا أحن البشر... سامحيني يا معين الحب والعطاء.. يا صمّام الأمان في حياتي..
أما لمياء المسكينة .. فما أن علمت بواقعها الأليم ... حتى انهارت وأصيبت بنوباتٍ قلبيّة.. وابتعد عنها الجميع.. حتى الأهل والأحباب.. ما عاد جمالها جذّاباً.. ولا لباسها أنيقاً.. عطرها أصبح ناقوس خطر..
ويروي سعيد لامه ولفيروز قصّة الهداية ، وحكاية الدقائق الخمس التي انعم الله تعالى عليه بها.. وتقترح فيروز على سعيد وأمه أن يذهبوا بزيارةٍ إلى المستشفى حيث توجد لمياء... ليقدموا لها ما يمكنهم من المواساة.. علّها تكون خطوة في طريق الشفاء... إن لم يكن من المرض.. فمن الألم.. فاتّقوا الله يا أولي الألباب،،
لا توجد تعليقات